أردوغان في جولة الإعادة- المعارضة العاجزة واستقطاب القوميين المتشددين

تترقب تركيا يوم 28 مايو/أيار، حيث ستُجرى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الحاسمة بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومنافسه من المعارضة كمال كليجدار أوغلو. يبدو أن أردوغان يتمتع بوضع أفضل للفوز بولاية رئاسية ثالثة، إلا أن كليجدار أوغلو يواصل النضال، مُبدياً إصراراً قوياً على تحقيق الفوز.
على الرغم من ذلك، فقد تجلى واقع سياسي جديد في تركيا بعد انتخابات 14 مايو/أيار، يكمن في أن أردوغان على أعتاب إضافة خمس سنوات أخرى إلى عقدين من حكمه، بينما تبدو المعارضة عاجزة عن الوصول إلى السلطة، حتى في أوج قوتها. قد يجد قادة المعارضة عزاءً في حرمان أردوغان من الفوز بالرئاسة في الجولة الأولى، لكنهم لم يستطيعوا إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي الذي كان سائداً قبل انتخابات 14 مايو/أيار.
كيف يمكن لزعيمة تضررت صورتها بين القوميين نتيجة لسياسات كليجدار أوغلو أن تنجح في إقناع 3% من القوميين المعارضين بدعمه في جولة الإعادة؟
هناك عاملان رئيسيان يدعمان موقف أردوغان في جولة الإعادة:
- أولاً، حقق أردوغان تفوقاً على كليجدار أوغلو بفارق يقارب 5 نقاط مئوية في الجولة الأولى، مما يجعل مهمة الأخير في قلب الموازين الانتخابية لصالحه في جولة الإعادة أمراً بالغ الصعوبة. على الرغم من إبرامه اتفاقاً مع حزب "النصر" القومي المتشدد، فإن المكاسب التي يمكن أن يحققها من ذلك، لن تتجاوز 2.4% كحد أقصى، وهي النسبة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية. وعلاوة على ذلك، فإن تبني كليجدار أوغلو لنهج قومي متشدد بهدف استقطاب الأصوات القومية المتشددة، قد يؤدي إلى خسارته لأصوات دعمته في الجولة الأولى. فالكتلة الكردية على سبيل المثال، منحته في الجولة الأولى نحو 8% من الأصوات، ولكن من غير الواضح كيف سيحافظ على هذا الدعم بعد وعد حزب "النصر" بالتمسك بسياسة الوصاية على البلديات التي عُزل رؤساؤها بسبب صلتهم بحزب العمال الكردستاني المحظور. قد يتسامح حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي مع هذا التوجه القومي المتشدد لاعتبارات انتخابية، لكن ليس من المؤكد أنه سيكون قادراً على إقناع الكتلة الكردية بأكملها بالتصويت لصالح كليجدار أوغلو.
- ثانياً، حقق التحالف الحاكم أغلبية في البرلمان الجديد، مما يمنح أردوغان ميزة قوية في جولة الإعادة، وهي عامل الاستقرار السياسي. صحيح أن ما يقل عن 51% من الأتراك لم يدعموا أردوغان في الجولة الأولى، إما لأن غالبيتهم تسعى إلى تغيير سياسي أو لأن الجزء الآخر (5.17% التي حصل عليها مرشح تحالف الأجداد) لم يدعم لا أردوغان ولا كليجدار أوغلو. لكن بعض هذه الأصوات قد يفكر ملياً قبل الإدلاء بصوته في جولة الإعادة.
هل ينتخب كليجدار أوغلو ويجازف بسلطة جديدة تشهد صراعاً بين الرئاسة والبرلمان؟ أم ينتخب أردوغان لضمان الاستقرار السياسي؟ تُظهر التجارب السياسية العديدة في تركيا أن غالبية الناخبين يفضلون الاستقرار السياسي على أي شيء آخر، لأنهم يريدون سلطة مستقرة تعالج أولوياتهم الملحة، وعلى رأسها الاقتصاد. قد يكون كليجدار أوغلو الأفضل في إدارة الاقتصاد، لكنه يواجه حقيقة جديدة وهي عجزه عن تحقيق الاستقرار السياسي، نظراً لخسارة المعارضة للأغلبية في البرلمان.
كانت إحدى المفاجآت التي أسفرت عنها انتخابات 14 مايو/أيار حصول مرشح تحالف "الأجداد" سنان أوغان على ما يزيد قليلاً عن 5% من الأصوات في الجولة الأولى. وبالطبع، لم يتمكن أوغان من الوصول إلى جولة الإعادة، إلا أن موقف الأصوات القومية المتشددة في جولة الإعادة يكتسب أهمية بالغة. هذه الكتلة الآن منقسمة بين أردوغان وكليجدار أوغلو.
هناك استنتاج يمكن استخلاصه من هذا التشتت، وهو أن فرص كليجدار أوغلو للفوز بالرئاسة أصبحت ضئيلة للغاية، إذ يحتاج إلى جميع أصوات هذه الكتلة من أجل تعزيز حظوظه. ومن نقاط الضعف الجوهرية في إدارة كليجدار أوغلو للحملة الانتخابية، عدم قدرته على تحقيق توازن دقيق بين تحالفه مع حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي وتقليل الخسائر في الأصوات القومية في صفوف التحالف السداسي. حتى لو كان هذا التوازن يستند إلى منطق الحسابات، فإنه يتعارض مع منطق السياسة، لأن نسبة 8% من الأصوات الكردية التي حصل عليها كليجدار أوغلو لم تمكنه من الفوز في الجولة الأولى، وأيضاً لأن نسبة 3% من الأصوات القومية التي خسرها حرمته من التفوق في الجولة الأولى وجعلت مهمته صعبة للغاية في جولة الإعادة.
لقد أثبت الرئيس رجب طيب أردوغان أنه لا يزال أقوى مما تعتقد المعارضة. فقد واجه ثلاثة تحديات جسيمة في هذه الانتخابات: تضخم مرتفع، وتداعيات زلزال مدمر، ووحدة المعارضة. لكن جزءاً من هذا الواقع السياسي الجديد في تركيا صنعته المعارضة بنفسها، لأن إدارتها للتحالفات الحزبية وعملية الموازنة تسببت في أدائها الانتخابي المتدني في 14 مايو/أيار.
على سبيل المثال، عندما فرض كليجدار أوغلو ترشحه للرئاسة بالقوة على الطاولة السداسية، ظن أن انكسار زعيمة القوميين المعارضين ميرال أكشنار سيساعده في إجبارها على قبول تحالفه مع حزب الشعوب الكردي، وقد كان ذلك صحيحاً، إلا أن النتيجة جاءت أسوأ. وإذا كان هناك أمل واحد لكليجدار أوغلو في استقطاب الأصوات القومية الرافضة له، فإنه يتمثل في ميرال أكشنار.
ومع ذلك، كيف يمكن لزعيمة اهتزت صورتها بين القوميين بسبب سياسات كليجدار أوغلو أن تتمكن من إقناع 3% من القوميين المعارضين بدعم كليجدار أوغلو في جولة الإعادة؟ إن حقيقة صعود التيار القومي الذي تجلى في انتخابات 14 مايو/أيار عززت اعتقاداً كان سائداً قبل الانتخابات، وهو أن تحالف كليجدار أوغلو مع حزب "الشعوب" الكردي سيؤدي إلى رد فعل عكسي كبير ضده.